حدشيت، قضاء بشرّي محافظة لبنان الشمالي. تحدّها البلدت التالية: من الشمال بان، ومن الجنوب بقرقاشا، بزعون، حصرون، قرية وادي قنّوبين، ومن الشرق بشرّي، ومن الغرب بلوزا. تعلو عن سطح البحر 2185م. وتبعد عن العاصمة بيروت 105 كلم، وعن مدينة طرابلس مركز المحافظة 46كلم، وعن بشرّي مركز القضاء 4كلم. تبلغ مساحتها 535 هكتارًا. ويبلغ عدد سكانها 8000 نسمة بينهم 5000 ناخب. وحدشيت من البلدات التي طالتها الهجرة بشكل كبير جدًّا بحيث قد يكون من المستحيل حاليًّا إيجاد منزلٍ لم يهاجر منه فرد على الأقل. فمنذ المواجهات بين مسيحيي الجبّة والمماليك، وخوفًا من الانتقام، هجر قسم من أهالي حدشيت بلدتهم إلى قبرص ومالطا، وقسم آخر إلى حمّانا حيث ما زالوا يُعرَفون بالحداشتة، أمّا في مطلع القرن التاسع عشر هاجر قسم كبير من سكان البلدة إلى بعلبك، قبل أن يرحل كثير ممن بقوا إلى بلاد الاغتراب وعلى وجه الخصوص أستراليا، ويقدّر عدد المغتربين حاليًّا بنصف عدد السكان تقريبًا. حدشيت، هذه البلدة الرابضة على كتف وادي القديسين والحاضنة للعديد من الأديرة والمناسك، تُعَدّ من أقدم البلدات في شمال لبنان، يدلُّ على ذلك وجود بعض الآثار من العصور القديمة، ولا سيّما الرومانية منها كالتمثال الذي تمّ نحته لحاكم منطقة قاديشا ولا يزال قائمًا في باحة البلدة، إضافة إلى درجٍ تداعى مع الزمن واستُخدمت حجارته في بناء سيّدة الشقيف. ويحصّنها السور من الجهة الشمالية، بينما يشكل الشير العاصي حصنًا طبيعيًّا للجهات الثلاث الأخرى. هذا إضافة إلى الفخاريّات والأدوات التي كانت تُستعمل في تلك العصور. جعلها الرومان مركزًا عسكريًّا ودينيًّا، إذ يظهر من موقع حدشيت الطبيعي أنّها كانت قلعة محصّنة، فهي تأتي على شكل مثلّث يتّجه رأسه نحو الوادي بينما يحيط السور بقاعدته. لعبت حدشيت دورًا دينيًّا وسياسيًّا مهمًّا في عهد المماليك بشخص البطريرك دانيال الحدشيتي الذي أوقف زحف هؤلاء على منطقة الجبّة مدة أربعين يوماً ولم يستطيعوا دخول المنطقة إلاّ بعد اللجوء إلى المؤامرة. وفي عهد المقدّمين استلم زمام المنطقة المقدّم باخوس بن صادر الحدشيتي. من الناحية الدينية كانت الأديرة العديدة التي تضمّها البلدة مركزاً للتدوين والكتابة والتعريب. ومن أبرز المدوّنين سركيس بن كعبوش الذي دوّن رتبة القدّاس الماروني القديم باللغة السريانيّة. في حدشيت عدة أديرة تاريخية أثرية تقع بمعظمها ضمن وادي قاديشا الذي أدرج على لائحة التراث العالمي العائدة لليونسكو سنة 1998، ومن هذه الأديرة: - دير الصليب الغني بالرسوم الرائعة التي تعود إلى الفن الأنطاكي، والسرياني، والبيزنطي، وتمثّل المسيح، والرسل، والبشارة، والصليب؛ تشبه هذه الرسوم جدرانيات الكبادوك ودير مار موسى الحبشي في النبك. - دير مار مطانيوس البادواني المحفور في الصخر والذي يطل على مغارة خارجية تشكل باحة أمامية. - دير مار جرجس الذي سكنه الرهبان السريان بعد أن أخرجهم الأحباش من دير مار يعقوب في إهدن سنة 1488. - دير مار يوحنّا المؤلّف من مغارتين، وتمّ فيه نسخ عشرة نوافير سريانية، وفيه رسم صليب معتمد لدى السريان والأرمن. - دير مار سركيس حيث مذبح صغير وسنديانتان للصلاة. -دير مار بهنام أحد قدّيسي السريان، وفيه رسم جداري وكتابة سريانية. - دير القديسة شمونة وفيه رسوم بيزنطية سريانية موجودة في أناجيل سريانية محفوظة في مكتبة القدس. - دير ماردين العائد إلى القرن الثالث عشر، وعلى جدرانه كتابات غربية ورسوم تمثّل المسيح يدوس أبواب الجحيم. أمّا كنائس البلدة فهي ثلاث: - كنيسة القديس رومانوس. - كنيسة مار سركيس وباخوس. - كنيسة سيدة الشقيف. ويُروى عن البطل اللبناني يوسف بك كرم أنه عندما كان يزور المنطقة، وما إن يشرف على بلدة حدشيت حتى يطلق جملته المشهورة ”نهارك سعيد يا حدشيت الكاملة”، إذ إنّه من الناحية الاقتصادية، عاش سكان حدشيت ببحبوحةٍ لزن البلدة كانت تتمتع باكتفاء ذاتي لوجود أشجار الزيتون في واديها وكروم العنب في منحدراتها الجبلية، بالإضافة إلى زراعة الحبوب والخضر على أنواعها في منبسطاتها، علماً أنّ أجدادنا قد حوّلوا المنحدرات إلى جلول أطلقوا عليها اسم ”خطيفة”. ومما يدلّ على هذه البحبوحة اهتمامهم بكروم العنب الذي يستخرجون منه أجود أنواع الخمرة التي ما زالت مشهورة حتى أيامنا هذه وباتت من تراث البلدة. ويجري قطاف العنب في الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول في موعد كان يحدده في ما مضى سكان البلدة، وحاليًّا يُحَدَّد من قبل المجلس البلدي والمخاتير، حيث يتراءى للناظر أن الأرض قد أنبتت رجالاً ونساءً وأطفالاً وكأن الطبيعة في عرس. في بداية القرن العشرين، كانت أراضي حدشيت تقسم إلى قسمين شرقي وغربي، تُزرَع مداورة، قسم شتوي يُزرَع بالقمح والشعير والكرسّنة، وقسم صيفي يُزرَع بالذرة والبطاطا والخضر على أنواعها. ومع حلول الخريف تُفرش سطوح المنازل بعرانيس الذرة الصفراء. أما في منتصف القرن العشرين، فقد انتشرت زراعة أشجار التفاح والإجّاص والدرّاق وغيرها، مما أثر سلباً على زراعة الحبوب. إلى ذلك، وعُرِف أهالي حدشيت بمهارتهم في فن البناء والعمارة، وذاع صيتهم في كافة أرجاء المعمورة، ومعظم منازل المنطقة وكنائسها من صنع أيديهم الماهرة والحاذقة. في التاريخ المعاصر، سنة 1962 تحديدًا، تنادى بعض الشباب من أجل تأسيس ”نادي العمل الاجتماعي” ونجحوا في الحصول على علم وخبر سنة 1964، وكانت اللجنة التأسيسية مؤلفة من السادة: البدواني رزق، يوسف كرم، جورج فؤاد وردان. وقد قام النادي بالعديد من النشاطات الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى العديد من المهرجانات الفنية الغنائية، كما قام بعدة مشاريع إنمائية، وظل النادي على هذا النشاط حتى أضعفته السياسة وأحداث سنة 1975. غير أنّ ذلك لم يُحبط عزيمة بعضهم إذ شكلوا ”هيئة إنماء حدشيت” التي تعاونت مع قائمقام بشرّي آنذاك وأنجزت العديد من المشاريع الإنمائية، وفي مقدمتها مشروع الصرف الصحي، وتأهيل بعض الطرق والأقنية الداخلية، وإنشاء محطات كهربائية. ومن اللجان الفاعلة في حدشيت ”لجنة أوقاف حدشيت” التي اهتمت بكنائس البلدة الثلاث: مار رومانوس، ومار سركيس وباخوس، وسيدة الشقيف، وساهمت في عدة نشاطات حيوية وثقافية في البلدة، على رأسها بناء ”مدرسة حدشيت الرسمية”، وتقديم أرض لبناء مدرسة ”راهبات القديسة تريزيا”، بالإضافة إلى تجهيز أرض لبناء بازيليك للقديس رومانوس. في فترة الأحداث اللبنانية وما بعدها أنشئت في حدشيت عدة جمعيات وأخويات خيرية ودينية، ألفّت في ما بينها اتحاداً عُرِف بـِ ”اتحاد الجمعيات الخيرية” وذلك بتمويل من اشتراكات أفراده ومن تبرعات الأهالي في الوطن والمهجر. وقد حصر هذا الاتحاد نشاطه بتموين البلدة بالمواد الغذائية بسعر الكلفة، إضافة إلى تقديم الهبات للمحتاجين، لينتقل في ما بعد للقيام بأعمال تأهيل بعض الطرق وشق غيرها ومنها طريق الكروم وطريق السهل. وبالرغم من أن هذا الاتحاد قد حُلّ فإن الجمعيات ما زالت تمارس نشاطاتها حتى اليوم. في عهد الاستقلال أنشئ في حدشيت أول مجلس بلدي برئاسة أنور البيسري لكنّه لم يُعمّر كثيراً بسبب النزاعات السياسية المحلية، ثم أنشئ مجلس بلدي آخر برئاسة رومانوس الخوري حنا شحادة لم يدم طويلاً للأسباب ذاتها. وفي سنة 1998 أنشئ مجلس بلدي برئاسة السيد جورج جميل وردان. قام هذا المجلس بعدة مشاريع إنمائية على رأسها توسيع ساحة البلدة وحفر بئر إرتوازية وتأهيلها بمساعدة من البعثة البابوية،كما بدأ إنشاء ملعب ونادٍ رياضي في محلة الشربين. وفي سنة 2003 انتقلت رئاسة المجلس البلدي إلى المهندس رامي يوسف عيد بسبب مرض الرئيس جورج وردان ووفاته. أما المجلس البلدي الحالي الذي تم انتخابه عام 2004 فيتألف من 15 عضوًا برئاسة المهندس نبيل كريم الدريبي الذي وضع خطة إنمائية شاملة للنهوض بالبلدة، من أبرز نقاطها: - توسيع وإعادة تأهيل دار البلدية - تشغيل البئر الإرتوازية الذي تسمّى تيمّنًا بشفيع البلدة مار رومانوس - تأهيل الصالة والملعب والعمل على إنشاء مدرج عائد للنادي الرياضي في محلة الشربين - تخطيط طرق جديدة في البلدة بما فيها طريق رئيسي يكون مدخلاً ثانيًا لحدشيت، يبدأ من طريق عام إهدن - بشرّي لجهة بلوزا، ويمرّ بمنطقة السهل بموازاة منطقة الشربين وصولاً إلى ساحة مار سركيس وباخوس. - وضع تصميم توجيهي لمنطقة حدشيت العقارية بكاملها من ضمن تصميم توجيهي لمجمل قضاء بشرّي يقوم به ”اتحاد بلديات قضاء بشرّي”. - تأهيل طرق المشاة المؤدّية من حدشيت إلى الوادي المقدّس بالتعاون مع ”مجموعة الحفاظ على وادي قاديشا” وبمساعدة ”الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي”. كلّ ذلك لتشجيع الحجّاج ومحبّي الطبيعة للتعرف على حدشيت كمدخل طبيعي تراثي للوادي المقدّس الذي يضمّ قسمًا من حدشيت تتخطى مساحته ثلث مساحة البلدة، علمًا بأنّ هذا القسم يحوي العدد الأكبر من المواقع الأثرية الدينية التي يتميّز بها الوادي. - تأهيل طرق موجودة في البلدة بما فيها طريق جبل مار الياس لتسهيل الوصول إلى ”مغارة مار الياس الحيّ” التي يقصدها المؤمنون من كافة أرجاء المنطقة. - تأهيل الساحات العامة الثلاث في البلدة وتجميلها: ساحة مار رومانوس وهي ساحة البلدة الرئيسية، وساحة مار سركيس وباخوس، وساحة سيدة الشقيف، إضافة إلى ترميم واجهات الأبنية المحيطة. - العمل على وضع خطة مستقبلية لتجميل الأبنية في ”حدشيت الضيعة” بهدف إظهار طابع حدشيت التراثي. وتجدر الإشارة إلى أنه في عهد رئيس البلدية الحالي المهندس نبيل الدريبي ظهرت نهضة عمرانية كبيرة في البلدة بفضل تشجيعه المستمر لأبناء حدشيت وحثهم على البناء في أرضهم للحفاظ على الروابط وتثبيت الجذور في بلدتهم الأم، علمًا بأن حدشيت اليوم، بشقيها المقيم والمغترب تسعى جاهدة لتحسين أوضاعها الاجتماعية والإنمائية، على أمل أن يعود أبناؤها المغتربون إلى وطنهم الأم فيجدون بلدتهم على أفضل حال إنمائيًّا وعمرانيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا...