قضاء طرابلس هو أحد أقضية محافظة لبنان الشمالي الثمانية، يحتوي على مدينة طرابلس العاصمة الإدارية للمحافظة وضاحيتيها، البحصاص والبداوي، بالإضافة إلى شريطين ضيّقين على امتداد شاطىء البحر، واحد باتجاه الشمال، والآخر باتجاه الجنوب، لتلامس مساحته 24 كم2. يحدّه من الشمال قضاء المنية الضنية، ومن الشرق قضاء زغرتا، ومن الجنوب قضاء الكورة. يبلغ عدد سكان القضاء القاطنين فيه 250,000 نسمة تقريباً بينهم 50.61 % ذكور و49,39 % إناث، أي ما يعادل 6% من العدد الإجمالي لسكان لبنان، يتوزّعون على ثلاث مدن وثلاث بلديات، وتُعتبر الكثافة السكانية فيه الأعلى على الإطلاق حيث تصل الى 7086 شخصاً في الكيلومتر المربع الواحد. مركز القضاء مدينة طرابلس، ثاني المدن اللبنانية بعد العاصمة بيروت من الناحيتين السكانية والاقتصادية. تُقسم مدينة طرابلس إلى 8 مناطق رئيسية وهي: أبو سمرا، القبّة، باب التبّانة، الزاهرية والأسواق الداخلية، نيو طرابلس، الميناء، البداوي، القلمون. تشكل منطقة باب التبّانة المنطقة الأكثر كثافة سكانية بين مناطق طرابلس من سكان المدينة، بينما تشكل بلدة القلمون المنطقة الأقلّ كثافة من سكان المدينة. البلديات التي يضمّها قضاء طرابلس هي: طرابلس القلمون الميناء. طرابلس مدينة طرابلس العاصمة الثانية للجمهورية اللبنانية، تقع فوق سهل منبسط تغسل أطرافه الغربية مياه البحر وتتفيأ بظلال سفوحِ جبال الأرز التي تكتسي قممها بالثلوج من جهة الشرق ويشرف عليها من الشمال الشرقي جبل (الفهود) تربل باستدارته. تبعد طرابلس عن العاصمة بيروت 80 كلم كما تبعد عن الحدود السورية 40 كلم، ويخترقها في الشرق نهر أبو علي المتدفق من ينبوع الحدائق بالوادي المقدّس قاديشا، وهو يفصل بين ربوتي أبي سمراء جنوباً و قبّة النصر شمالا. تضرب جذورها في عمق التاريخ، وترقى إلى 3500 عام، حيث أسسها الفينيقيون نحو 1500 عام ق.م، وتعاقبت عليها الأمم والعهود من الفينيقيين حتى الانتداب الفرنسي، مروراً بالرومان والبيزنطيين والفرنجة والمماليك والعثمانيين. تُعتبر طرابلس المدينة الأولى بثروتها التراثية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهي الثانية بآثارها المملوكية بعد القاهرة، وتمثل متحفاً حياً يجمع بين الأوابد الرومانية والبيزنطية والآثار الفاطمية والصليبية والعمارة المملوكية والعثمانية. إنها مدينة متكاملة بأحيائها وأسواقها ودورها وأزقّتها المتعرّجة الملتوية والمسقوفة ومعالمها التي تمتد من الجنوب إلى الشمال نحو 2 كلم، ومن الشرق إلى الغرب نحو 5,1 كلم، وتضم بين جنباتها أكثر من 160 معلماً بين قلعة، وجامع ومسجد ومدرسة وخان وحمّام وسوق وسبيل مياه وكتابات ونقوش ورنوك وغيرها من المعالم الجمالية والفنية. في أسواقها القديمة يتنشّق المرء عبق التاريخ ويتنسّم روح الشرق ويشاهد الصناعات والحرف المحلّية المستمدّة جذورها من الزمان الخالي ويتذوّق أشهى الأطعمة والحلويات ويشتري مختلف الحاجيات بأرخص الأسعار. وتنعم المدينة، ذات نصف المليون نسمة تقريبا، باعتدال مناخها ووفرة المياه فيها، وكثرة الفواكه والثمار وسهولة التنقل فضلاً عن حسن الضيافة وكرم الوفادة التي يشتهر بها الطرابلسي الذي يتقن التحدث مع ضيوفه بلغتهم ويستقبلهم بترحيبه ولطفه الموروث من قيمه وحضارته. وتواكب طرابلس بجهد أبنائها ركب التطور والحداثة مع تمسّكها بإرث الأجداد. وهي كما وصفها المؤرّخون: برّية بحرية، سهلية، جبلية، شامية، مصرية. من الملامح العثمانية إلى قلب مدينة المماليك: عند الوصول إلى الساحة المركزية لطرابلس ”التل” تجد الساعة العثمانية ذات الطبقات الخمس، المهداة من السلطان ”عبد الحميد الثاني” وبجوارها حديقة المنشية وقصر ”نوفل” العثماني المعروف بمركز”رشيد كرامي الثقافي البلدي” بعد أن حوّلته بلدية المدينة إلى مكتبة عامة وقاعة محاضرات ومعارض، وترى من حول ساحة ”التل” المباني السكنية والتجارية والفنادق ذات الطراز العثماني. وفي أقل من دقيقة مشياً على الأقدام تصل إلى ساحة ”الكورة” التي تتجاور بها العمارة العثمانية والعمارة الحديثة ومنها ساحة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون ”النجمة سابقاً” حيث بداية حدود المدينة القديمة. ومن هنا تبدأ الغوص في سحر الشرق والتمتع برؤية المعالم الأثرية والتاريخية بزخارفها ونقوشها. المجمع الأثري الأول: وفيه: الجامع المنصوري الكبير الذي أسّسه السلطان الأشرف”خليل بن قلاوون”، وتم بناؤه عام 1294م، وهو أكبر وأقدم جوامع المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق. وعند مدخله الرئيسي على اليمين مدرسة ”الشيخ الهندي” المعروفة بـ”المشهد”، من مطلع القرن 14م، بزخارفها الملوّنة في الخارج والداخل وعلى اليسار (المدرسة الشمسية) أقدم مدارس المماليك في لبنان من أواخر القرن 13م وفوقها دار صاحبها القاضي ”شمس الدين الإسكندري” ومنظرته الخشبية وهي تعتبر أقدم نموذج للبيوت المملوكية القديمة. وعلى جانب الشارع المقابل تقوم ”المدرسة الناصرية” التي بناها السلطان ”الناصر حسن بن محمد بن قلاوون” بين سنتي 1354 و1360م وهي تحمل شعاره فوق بابها وبجوارها ”مدرسة الخيرية حسن” أسستها سنة 1316م. ومن ”الجامع المنصوري” إلى مدرسة الأمير ”شهاب الدين قرطاي”، أكبر وأجمل مدارس المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق، بنيت بين العامين 1316 و1326م، وهي تضاهي ببوّابتها الشمالية أجمل وأفخم مساجد القاهرة ودمشق. وأثناء المرور بالزقاق تفوح رائحة الكعك الطازج الذي يخبز في ”فرن قرطاي” كما كان يخبز قبل نحو 700 سنة. ولا بد للزائر من الالتفاف حول المدرسة عبر سوق العطارين للوصول إلى زقاق الأمير من الجهة الجنوبية ومطالعة عشرة مراسيم سلطانية من عصر المماليك وقد نقشت على جدار المدرسة ودار الأمير وباب الجامع الكبير ويتأمل ”شعار” الأمير والكتابات والزخارف الرائعة فوق نوافذ المدرسة. المجمع الأثري الثاني: ومن سوق العطارين الذي يعجّ بالباعة والمارّة وأنواع الفاكهة والخضر، الوصول إلى محلة ”المهاترة” صعودا، حيث المجمع الأثري الثاني، فالمحلّة متراصّة البناء محصّنة تدلّ بوضوحٍ على أنها الحزام الأمني والخط الدفاعي المحيط بالقلعة. ومن ثم الوصول إلى الباب الأثري القديم للمحلّة، المسمّى قديماً ”الباب الأحمر”، وكان يقفل عند المساء. وعلى اليمين ”مدرسة الرفاعي” من العصر العثماني. وداخل باب المحلّة على اليسار ”المدرسة العجمية” وهي مملوكية، بُنيت عام 1365م وعلى واجهتيها نقوش كتابية. وعند هذه المدرسة واحد من أقدم وأحصن الأزقّة في المدينة وأضيقها، يعرف قديماً بـ”زقاق الأسرار”، وهو يعتبر نموذجاً حياً من نُظم العمارة المدينية الدفاعية في أنٍ معا. المجمع الاثري الثالث: ومن ”بوابة المهاترة” صعودا، الوصول إلى المجمع الأثري الثالث، قلعة طرابلس أكبر القلاع الحربية في لبنان وأقدمها، أسّسها القائد العربي ”سفيان بن مجيب الأزدي” عام 36% م وبنى فيها الفاطميون مسجداً أوائل القرن 11 م، وجدّد القائد التولوزي ”ريموند دي سان جيل” حصناً فوقه عام 1103م ثم حوّله الأمير المملوكي ”أستدمر الكرجي” عام 1307م إلى قلعة وبنى بها أبراجا، ثم أضاف السلطان العثماني ”سليمان بن سليم الأول” عام 1521م البرج الشمالي وفيه باب القلعة. تقع فوق تلّةٍ صخرية وتتألف من 4 طبقات، طولها 130م وعرضها 70 م وفيها حمّام قديم و3 مساجد وسجن وإسطبل للخيول وقاعات للقادة وكبار المسؤولين وقاعات ضخمة للجند والذخيرة والمدفعية وآبار وخزانات للمياه وأحواض للشرب ومقابر وباحات واسعة للتدريبات العسكرية والاستعراض وأكثر من 100 حجرة مختلفة الاتساع ونحو 10 أبواب في أسفل أسوارها بعضها يؤدّي إلى النهر وبعضها يؤدّي إلى الأسواق الداخلية. وترتفع أسوارها بين 15 و20 م ويوجد فيها نوافذ للمدفعية. ومن على متن السور بعرض مترين يمكن رؤية المدينة مع الميناء وجذورها في البحر والطريق إلى بيروت والطريق إلى حمص ومن فوق السور الشرقي ترى أجمل لوحة ساحرة لجبال الأرز وسفوحها ووادي قاديشا وعلى جانبيه أروع ما أبدع الخالق من جمال الطبيعة. وتشرف من القلعة أيضًا على ”تكيّة الدراويش المولوية” وهي على مسافة 100م من القلعة جنوباً بناها ”صمصمجي علي” في العصر العثماني عام 1619م. المجمع الأثري الرابع: ومن القلعة هبوطاً باتجاه الشمال الوصول إلى المجمع الأثري الرابع حيث ”طلعة السمك” فنرى ”جامع الأويسية” من عصر المماليك، بُني عام 1462م ومئذنته العثمانية التي بُنيت عام 351م وعلى جانبيه مدرستان ملحقتان به، وفيه مقام والي طرابلس العثماني ”أحمد باشا الشالق” المؤرّخ عام 1665م، وعليه كتابة بالعثمانية، وضريح ”محمود بك السنجق” المؤرّخ عام 1621م، وبجوار الجامع آثار كنيسة من عهد الصليبيين. ثم الوصول إلى زقاق ”سيدي عبد الواحد” وفيه ”خان الخشب” وأمامه جامع ”السيد عبد الواحد المكناسي” المغربي الطراز المبني في عصر المماليك عام 1305م، وعند مدخله مقام ”عبد السلام المشيشي” من أهل المغرب، وبقرب الجامع مسجد ”البهاء” وهو قديم جدّده ”أحمد بروانة” عام 1750م ثم جدّده ”عبد الله البهاء الحلبي” عام 1819م. وعلى مقربة المسجد دار أحد أعيان المدينة في العصر المملوكي زُيّنت عتبتها بالزخارف الرائعة. ويمتاز هذا الزقاق بأن نصفه مسقوف بالمساكن وهو الطابع السائد في تخطيط المدينة القديمة. ومن زقاق ”سيدي عبد الواحد” الوصول فورًا إلى ”سوق العطارين” بطرفه الشمالي ومنه إلى ”سوق البازركان” قلب الأسواق النابضة بالحياة والمتخصص بالأقمشة على اختلاف أنواعها أنواعها وألوانها. المجمع الأثري الخامس: ثم الوصول إلى المجمع الأثري الخامس إذ يستوقفك ”حمّام عزّ الدين” من عصر المماليك وهو أكبر حمّامات طرابلس ولبنان بُني بين العامين 1295 و1299م، وترى الكتابة والنقوش اللاتينية فوق بابه الخارجي والداخلي وهي تشير إلى أنها من بقايا الآثار الصليبية. وبعد الحمّام بخطوات قليلة ”خان الخيّاطين” أشهر خانات طرابلس وأجملها المتخصّص بالخياطة والأزياء الطرابلسية والوطنية العربية والتي نالت شهرة عالمية في العصور الوسطى ولا تزال إلى الآن تنال إعجاب السائحين والزائرين ولا يفوتهم شراء أعمال مشغولة بيد فنان طرابلسي ماهر ورث حرفته عن أبيه وعن جده. وتفضّل أشهر الفرق الفنية الاستعراضية اللبنانية والعربية أن تأخذ أزياءها المشغولة بأيدي الخياطين الطرابلسيين المبدعين. ويرقى تاريخ هذا الخان إلى ما قبل عصر المماليك، حيث عثر عند بابه الغربي على آثار بيزنطية. وبمواجهة ”خان الخياطين” مباشرة ”خان المصريين” لا يفصل بينهما سوى الطريق وهو مربّع الشكل من بناء السلطان المملوكي ”الناصر محمد بن قلاوون” في النصف الأول من القرن 14م وكان خاصاً بالتجار والنزلاء القادمين من مصر، ثم من ”خان الخياطين” و”خان المصريين” الوصول إلى ”جامع العطار” من عصر المماليك، بناه ”بدر الدين العطار” حوالي سنة 1325م وتستوقفنا بوابته الشرقية بزخارفها ونقوشها الرائعة الملوّنة، ولك أن تدور حول الجامع شمالاً لتشاهد مئذنته العالية الضخمة وهي أشبه بالبرج الحربي، ثم الوصول إلى باب الجامع الغربي عبر طريق مسقوفة للتعرّف على أشهر المهندسين المعماريين في تاريخ طرابلس ”أبو بكر البعلبكي” المعروف بـ”ابن البصيص”. المجمع الأثري السادس: من الباب الغربي لجامع العطار الوصول إلى المجمع الأثري السادس فيقابلك ”خان الجاويش” المشغول معرضاً للأثاث وبداخله كتابة بالعثمانية وبجواره على جانبي الطريق حوانيت لحرفيين يعملون في الصناعات الطرابلسية التقليدية تستحق التأمّل. ثم الوصول إلى عقدة من الطرق المسقوفة جدرانها من الحجارة الرملية التي تنبئ عن حصانة المحلّة وهي ”التربيعة” مما يدلّ على أنها سابقة لعصر المماليك. ويظهر فوق الطريق قصر الأمير المملوكي ”سنجر الحمصي” الذي سكنه عام 1324،م ثم غرباً ”ساحة الحمصي” وتُعرف حالياً ”بالتربيعة” وفيها مدرسة الأمير”سنجر الحمصي” أيضاً حيث ترى المحلات الكبيرة المزينّة أرضها بالرخام وهي تعرض المفروشات. ثم من الساحة المذكورة باتجاه الغرب أيضاً طريق ضيّقة ومسقوفة على جانبيها بيوت ومدرسة وخان وجدار به نوافذ حربية للدفاع عن البوابة التي كانت عند آخر الطريق وهي تؤدّي إلى نطاق المدينة القديمة. المجمع الأثري السابع: من بوابة التربية تمر بجوار جامع ”شرف الدين” الذي أسّسه حاكم طرابلس العثماني ”علي بك الأسعد المرعبي” عام 1824م وصولاً إلى حيّ النصارى الذي يشكل المجمع الأثري السابع حيث تتجمع عدة كنائس أقدمها كنيسة ”مار نقولا” للروم الأرثوذكس، وكانت في الأساس مصبغة لأسرة طرابلسية مسلمة تنازلت عنها وحوّلت إلى كنيسة عرفت ”بكنيسة السبعة” وجرى تأسيسها عام 1809م وبقربها أقيمت كنيسة ”مار جاورجيوس” للروم الأرثوذكس أيضاً بين عامي 1862 و7381م وكنيسة ”مار ميخائيل” للموارنة وقد بنيت عام 1889م تقابلها كنيسة صغيرة للاّتين ملحقة بمدرسة الطليان. وفي شارع الكنائس باتجاه الشمال نجد كنيسة ”مار يوسف” للسريان الكاثوليك وكانت في الأساس للفرنسيين وقد بنيت في القرن 19م. إلى الغرب من هذه الكنيسة يقوم جامع ”الحميدي” نسبة للسلطان العثماني ”عبد الحميد الثاني” حيث جدّد في عهده عام 1892م وكان قديماً يُسمّى ”جامع التفاحي”. المجمع الأثري الثامن: ومن ”الجامع الحميدي” يتّجه شرقاً نحو المجمع الأثري الثامن في حيّ الدباّغة حيث أكبر الخانات في طرابلس ولبنان ”خان العسكر” المؤلف من ثلاثة أقسام تنتمي إلى ثلاثة عصور هي على التوالي: صليبية ومملوكية وعثمانية. وتُرى ”الطغراء” العثمانية المؤرّخة في عام 1825م في عهد السلطان ”عبد المجيد” فوق الباب الشرقي للخان وبجوار الخان. ”جامع التوبة” من عصر المماليك بناه السلطان ”الناصر محمد بن قلاوون” حوالي عام 1315م وجُدّد في عهد ”بني سيفا” أمراء طرابلس في العصر العثماني عام 1612م. ويمضي باتجاه الشرق إلى السوق الأثري المعروف بـ”سوق حراج” وهو من عصر المماليك وربما أقدم من ذلك، ويتأمل الأعمدة الغرانيتية المرتفعة التي تتوسط ساحته والأعمدة الضخمة القائمة داخل الحوانيت حول الباحة. ويرى الصناعات والحرف الطرابلسية التقليدية الخشبية والقطنية والجلدية. ومن الصناعات اليدوية كرسي القش والقباقيب وقوالب صنع الحلوى وخاصة ”المعمول الطرابلسي في الأعياد”، والشوبك لمدّ العجين والملاعق الخشبية، وتنجيد الصوف والقطن للفرش والملاحف والوسائد بالطريقة الطرابلسية باستعمال آلة ”الندّاف” وصناعة الأحذية والمحافظ الجلدية، وغير ذلك من أدواتٍ يمكن التبضّع منها كهدايا وتحف. ثم من ”سوق حراج” إلى ”بركة الملاحة” التي كانت تُملأ في الأعياد بأنواع الشراب ويشرب منها الناس مجّاناً لمدة ثلاثة أيام، وأحياناً لمدة أسبوع كامل. المجمع الأثري التاسع: من (بركة الملاحة) يمكن الوصول جنوباً إلى المجمع الأثري التاسع ومحوره ”جامع البرطاسي”. وقبل الوصول إلى الجامع يمرّ الزائر قرب قصر الأمير المملوكي ”سيف الدين أَلطنطاش” من القرن 13م وبعده يرى لوحة مرسوم من عصر المماليك بتاريخ 1400م ضمن جدار في زقاق على يسار الطريق. ومن ثمّ إلى مدرسة مملوكية دُفن فيها مجموعة من رجالات طرابلس الذين قطع رؤوسهم ”إبراهيم باشا ابن محمد علي” في العام 1834م فسميّت مدرسة الشهداء. وعند المدرسة بركة ماء يشرب منها الناس مجّاناً وهي واحدة من عشرات البِرك وسُبل المياه المنتشرة في أسواق المدينة القديمة وتتميز بها عن غيرها من المدن. وبجانب المدرسة والبركة الباب الشرقي لخان الخياطين، وأمامه باتجاه الشرق أيضاً ”جامع البرطاسي” بناه ”عيسى ابن عمرو البرطاسي” عام 1310م وهو من أجمل الجوامع المملوكية، فيه تأثيرات بيزنطية في المحراب وكتابات فاطمية ونقوش فوق الباب وهندسة مغربية أندلسية في المئذنة المدهشة وهي تقوم فوق نصف عقد فارغ فوق البوابة رغم ثقلها وارتفاعها. ومن الجامع باتجاه الجنوب الغربي يمكن الوصول إلى طريق قديمة من عهد الصليبيين تعرف بـ”تحت السباط” حسب اللهجة الطرابلسية وهي ”الساباط” أي الطريق المسقوف ومنه كان يتم الصعود إلى القلعة أو النزول منها في حال التعرض للحصار. وفي أول هذه الطريق ”المدرسة الظاهرية” من عصر المماليك بناها الأمير ”تغري برمش الظاهري” عام 1397م. المجمع الأثري العاشر: بعدها يمكن التوجّه إلى المجمع الأثري العاشر والوصول غرباً إلى قصر الأمير ”عز الدين أيبك الموصلي” وهو من عصر المماليك وفيه زخارف أندلسية شبيهة بقصر الحمراء في غرناطة وبعد القصر ضريح الأمير وفوق نافذته اللوحة التاريخية العائدة لعام 1299م. ومن ثمّ ويمكن الوصول إلى ”المدرسة القادرية” من عصر المماليك القرن 14م وهي على يسار الطريق وأمامها ”حمّام عز الدين” الذي تقدّم ذكره في المجمع الخامس. ومن موقع الحمّام يبدأ ”سوق النحّاسين” باتجاه الغرب وفي هذا السوق تتجلى براعة الطرابلسيين وهم يصنعون بأيديهم النحاسيات والتحف الرائعة التي يتشوّق الزوار لشرائها واقتنائها وتزيين بيوتهم بها. ثم الوصول إلى مسجد ”الحجيجية” من عصر المماليك وهو من بقايا الأبنية الصليبية. وفي زقاق ”البرطاسية” بجوار المسجد يقوم ”مزار السيّدة” للروم الأرثوذكس من العصر الصليبي الذي يزوره المؤمنون إلى الآن، وتظهر الحروف اللاتينية منقوشة على عقده وفي أسفله بقايا ”حمّام البرطاسي” القديم وعلى جدرانه تزيينات وزخارف متفرقة.ومن نهاية الزقاق يتم الوصول جنوباً إلى مدرسة ”القاضي أوغلو” العثماني وتقع في أول سوق ”الكندرجية” من جهة الغرب وهو أحد الأسواق المزدحمة بالمارة وفيه محلات بيع الملابس وأحدث الأزياء ومحلات بيع الأحذية والحقائب النسائية بأسعار رخيصة لا تُضاهى. المجمع الأثري الحادي عشر: ومن سوق ”الكندرجية” من الغرب إلى الشرق يميناً باتجاه الجنوب نصل إلى المجمع الأثري الحادي عشر وفيه سوق ”الصّياغين” من أجمل وأقدم أسواق طرابلس وهو خاص بمحلات صياغة وبيع الذهب والمجوهرات المصّنعة بأيدي الفنانين الطرابلسيين أو المستوردة من الخارج. ويضمّ السوق ”خان الصابون” من العصر المملوكي وبه صناعة الصابون الطرابلسي المعطر والملوّن وهو يتمتع بشهرة عالمية عبر العصور لوفرة الزيت النقي الذي تنتجه سهول الزيتون المحيطة بطرابلس وخاصة سهول الكورة ذات الشهرة العالمية. وفي وسط السوق على اليمين زقاق ”حمام العبد” وهو من العصر العثماني وما زال يعمل إلى الآن ويستحق الزيارة. وعلى بعد خطوات قليلة من زقاق الحمّام تقوم ”المدرسة الطواشية” من العصر المملوكي وهي من أجمل مدارس طرابلس ذات التأثيرات الأندلسية. وأمام ”الطواشية” شرقاً وعلى مسافة 5 أمتار فقط توجد مدرسة مملوكية أخرى. ومن ”الطواشية” أيضاً باتجاه الجنوب وفي نصف دقيقة نصل إلى مدرسة مملوكية عثمانية وقد تحوّلت إلى متجر للذهب تدلّ عليها قبّتها من الخارج ومحرابها في الداخل وفي الزاوية المقابلة جنوباً مدرسة أخرى وقد تحوّلت إلى متجر أيضا. ويميناً بين المدرستين ”المتجرين” نصل غرباً إلى زقاق صغير يُعرف بـ”زقاق النمل” بداخله مدرسة مملوكية تزّين بابها زخارف هندسية بديعة ومن حولها باحة وحجرات ”المحكمة الشرعية” القديمة وفوقها ”دار القاضي” المزخرفة. ونعود إلى سوق الصيّاغين ونتابع جنوباً فنصل إلى ”المدرسة النورية” الجميلة وبداخلها أجمل محراب من عصر المماليك، بناها الأمير ”سنقر النوري” بين العامين 1305 و1310م وبها قبر بناه الأمير المملوكي ”طرمش الدوادار” .وأمام المدرسة مباشرة باتجاه الشرق ”حمّام النوري” الذي بناه ”الأمير نور الدين سنقر” مع المدرسة وإليه يُنسب الحيّ أو المحلّة فيعرف بـ”حي النوري” أو ”سويقة النوري”. المجمع الأثري الثاني عشر: ومن محلة النوري إذا وقفنا أمام المدرسة ”الخيرية حسن” ونظرنا جنوباً نحو المجمع الأثري الثاني عشر فسنرى على مسافة تبعد 100 متر مدرستين مملوكتين إحداهما على اليمين والأخرى على الشمال تفصل بينهما مسافة 5 أمتار هي عرض الطريق، فالمدرسة اليمنى هي ”المدرسة السقرقية” بناها ”الأمير سيف الدين أقطرق الحاجب” قبيل 1358م، ويزيّن واجهتها الشرقية شريطان طويلان نُقش فيهما وقفية المدرسة مع شعار الأمير”السيف” وداخل المدرسة قبر فوق قبّة مضلّعة نُقش بداخلها كتابة قرآنية بالخط الديواني. وعلى بعد نحو30 متراً إلى الجنوب من السقرقية جامع ”أرغون شاه” بناه الأمير المملوكي ”أرغون الإبراهيمي” بين العامين 1392 و1400م وفوق بابه مرسوم للسلطان ”قايتباي” تاريخه 1475م ويمتاز الجامع بمئذنته الأسطوانية المزخرفة. وأمام ”المدرسة السقرقية” شرقاً نرى ”المدرسة الخاتونية” وفي بوابتها نُقشت الوقفية وعلى جدارها الغربي نقش ”رنك” أي شعار ”الكأس”. ومن أمام ”المدرسة الخاتونية” نتوجه شرقاً إلى محلة ”قهوة الحتّة” باسمها المصريّ العاميّ فنصل إلى ”جامع الطحام” المملوكي ذي المئذنة الرائعة بزخارفها وهو مرتفع فوق صف من الدكاكين. ومن تحت الجامع يحسن المرور بطلعة ”العوينات” البيضوية الشكل ذات المنافذ الثلاثة والفريدة بتخطيطها المدني القديم وفيها المعالم المملوكية العثمانية. المجمع الأثري الثالث عشر: وفي الطريق الثالثة من ”العوينات” جنوباً نصل إلى المجمع الأثري الثالث عشر فنرى على اليسار زقاق ”رباط الخيل” وفوقه كتابة منقوشة ونوافذ حربية لرمي السهام. وأمام الرباط على اليمين مبنى ”الخانقاه” ببوابتها المملوكية وبداخلها باحة في وسطها بركة ماء ومن حولها حجرات تسكنها نسوة أرامل لا معيل لهن. وفي الجهة الجنوبية مسجد وحجرة فيها قبر السيدة الصالحة صاحبة المبنى الفريد من نوعه في لبنان. ومن ”الخانقاه” نزولاً باتجاه الغرب يوجد على اليمين ”جامع المعلّق” العثماني بناه ”محمود لطفي الزعيم” عام 1556م وهو فوق صفّ من الدكاكين وفوق الطريق، وبجواره حديقة فيها قبر صاحبه ”الزعيم”. وبمواجهة الطريق بجوار الجامع يقع ”الحمّام الجديد” بناه والي طرابلس العثماني ”إبراهيم باشا العظم” بين العامين 1721 و301م وهو من أجمل وأفخم الحمّامات في لبنان، تزيّن بوّابته سلسلة حجرية متداخلة الحلقات وهي كّلها من حجر واحد. وفي جدار الحمام عند طرفه الجنوبي سبيل ماء مملوكي يُعرف بـ”سبيل التينة” بناه الأمير ”محمد بن مبارك شاه العلائي” عام 141م وبداخله اللوحة التاريخية وفي الطريق من الحمام والسبيل جنوباً إلى أشهر المقاهي الشعبية وأكبرها ”مقهى موسى” لا بدّ من الوقوف في منتصف الطريق عند أشهر حلواني متخصص بصناعة ”حلاوة الجبن” وهي أشهر ما يميّز طرابلس بحلوياتها ذات الصيت الذائع في لبنان وبلاد الشام كلّها والتي تُرسل إلى أنحاء الدنيا بالبريد السريع مع صناعة مربىّ زهر الليمون وماء الزهر وماء الورد وهي من أشهر الهدايا التذكارية التي تُحمل من طرابلس. المجمع الأثري الرابع عشر: ومن ”مقهى موسى” نتوجّه غرباً إلى أجمل وأفخم جوامع طرابلس ولبنان على الإطلاق ”جامع طينال” وهو وحده يشكل ”المجمع الأثري الرابع عشر”، وتقع على جانب الطريق مقبرة المسلمين الرئيسة المعروفة بـ”باب الرمل”. والجامع مملوكي بناه الأمير ”سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب” عام 1336م وهو يضاهي أجمل جوامع القاهرة ودمشق ويتألف من بيتين للصلاة بينهما أروع بوابة من الرخام هي تحفة فنية بهندستها وزخارفها وكتاباتها وألوانها. وفي بيت الصلاة الأول أعمدة الغرانيت المجلوبة من مصر الفرعونية والتيجان الرخامية الكورنشية من العصر البيزنطي والعقود والقباب الرملية المملوكية. وفي بيت الصلاة الثاني ”الداخلي” المحراب والمنبر الخشبي من عمل المعلّم ”محمد الصفدي” عام 1336م. ويتميّز الجامع بمئذنته الفريدة ذات السلّمين اللولبيّين أحدهما فوق الآخر بحيث لا يري الصاعد فيهما الازل منهما، ولها بابان داخل الجامع وخارجه. والمئذنة عبارة عن برج حربي يشبه قطعة ”الرخّ” في رقعة الشطرنج وفي أعلاها شعار الأمير ”الكأس”. وعلى يمين الجامع 4 حجرات في صفّ واحد مخصّصة لمجالس القضاة الأربعة بطرابلس في عصر المماليك على المذاهب الأربعة: الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي. ومن ”جامع طينال” يُشاهدَ ”جامع الصدّيق” وهو حديث تميّزه مئذنته العالية ورأسها يشبه صاروخ الفضاء وقد صمّمه مهندس طرابلسي عام 1960م مستوحياً شكل الصواريخ التي كانت تحمل المركبات الفضائية والتي اشتهرت في تلك الفترة. تأسّس أول مجلس بلدي فيها عام 1877 وكان حاكم طرابلس هو الذي يتولّى رئاسة البلدية، إلى أن تم تعيين المرحوم فؤاد الذوق رئيساً أصيلاً واستمرّ حتى العام 1920. أما المجلس البلدي الحالي الذي تمّ انتخابه عام 2004 فيتألّف من 24 عضوًا